في ظل الأزمة التي تعانيها دول العالم بتوفير لقاحات كورونا  بسبب محدودية انتاج اللقاحات واولوية اعطائها لفئات محددة حسب مدى احتياجها للقاح  لا بد من الاشارة الى مسألة في غاية الاهمية وهي مسألة ضرورة اتباع مبدأ عدم التمييز في توزيع اللقاح خاصةً عند الحديث عن حق الفئات المستضعفة بالحصول على الرعاية الصحية والادوية واللقاحات بشكل عادل  .

ما اثار هذه المسألة  اولا التصريح الرسمي للمدير الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية في اوروبا عندما اعلن بأن 95% من اللقاحات التي أنتجت حتى هذه اللحظة تم استاخدمها في 10 دول فقط في العالم و هي (الولايات المتحدة الأمريكية, كندا, المملكة المتحدة, الصين, ألمانيا, اسبانيا, ايطاليا, روسيا, الامارات العربية المتحدة, و دولة الاحتلال الاسرائيلي)  الامر الذي يشير اولا الى ضرورة التوزيع العادل للقاحات على دول العالم وعدم التمييز بينها على اساس اقتصادها الداخلى او اعتبارات اخرى قد تحمل في طياتها  التمييز السلبي اتجاه تلك الدول وشعوبها  ، هذا من جهة  ، من جهة اخرى فإن قيام بعض الدول من اتباع التمييز بين الاشخاص في توفير اللقاحات بناء على اسس مختلفة مثل استبعاد المهاجرين غير الشرعيين او العمالة الوافدة او حتى اللاجئين في تلك الدول يفتح النقاش الاوسع ويعلي الصوت للدفاع عن حق هؤلاء الاشخاص بالحصول على اللقاح بعدالة  وبذات الالية التي يتوفر فيها اللقاح الى المواطنين العاديين ورعايا تلك الدولة خاصة في ظل وجود العديد من النصوص القانونية الدولية الملزمة لكافة الدول  والتي تلزمها بعدم التمييز حتى في مسألة اخذ اللقاح للوباء العالمي  كوفيد- 19  ، فقد كفلت المادة   (2)   من الاعلان العالمي لحقوق الانسان تمتع كافة الاشخاص بالحقوق الواردة في الالعلان على قدم من المساواة مع ودونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر .

في الوقت ذاته نصت المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية على واجب الدولة بضرورة توفير الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها، وتهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض ودونما تمييز ،

بالاضافة الى دياجية دستور منظمة الصحة العالمية التي نصت كذلك الامر على التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة الـسياسية أو الحالـة الاقتصادية أو الاجتماعية”.
وفي تفسير هذه النصوص لا بد من الاشارة الى ان مصطلح “انسان” الذي ورد فيه  لا يشمل مواطني الدولة او حملة جنسيتها فحسب وانما  كل شخص مقيم على اراضي الدولة  سواء كان يتمتع بصفة المواطنة أم لا. و مما لا شك في ان كلمة انسان تشمل صفة اللاجئ الذي ضمنت العديد من المواثيق الدولية حقوقه الأساساية و منها الحق في الصحة.

ان لقاحات فايروس كورونا الذي فتك بالعالم دون تمييز بين مواطن أو لاجئ تعتبر جزء من الرفاهية الصحية التي ضمنها دستور المنظمة في ديباجيته و في المادة الأولى منه. و عليه يعتبر استثناء اللاجئين او المهاجرين او العمال الوافدين  في أي دولة من برامج التطعيم ضد الفايروس مخالفة واضحة و صريحة لدستور المنظمة, الذي وافق عليه جميع الدول الأعضاء, حيث نص دستور المنظمة على وإذ تقبل الأطراف المتعاقدة هذه المبادئ، وبغية تحقيق التعاون فيما بينها ومع غيرها، لتحسين وحماية صحة جميع الشعوب، توافق على هـذا الدسـتور”.

العديد من الدول خالفت هذا النص باستثناء اللاجئين من المطاعيم أو اعتبارهم أولوية ثانوية في تلقي اللقاح و منهم دول أوروبية متقدمة في مجال حقوق الانسان كألمانيا. حيث وضعت ألمانيا طالبو اللجوء في المجموعة الثانية لتلقي اللقاح بغض النظر عن عمر اللاجئ أو الأمراض المزمنة التي يعاني منها. بالمقابل وكنموذج عربي  ، الأردن كان الأنموذج الأول في العالم  الذي بدأ باعطاء اللقاح لجميع المقيمين على ارض المملكة بغض النظر كان مواطنأ ام  .

لا بد من قيام جميع الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية بأخذ النصوص المشار لها في هذا المقال بعين الاعتبار عند وضعها لبرامج التطعيم الوطنية اولا اتباعا للمسؤولية الاخلاقية التي تحث على المعاملة العادلة وثانيا لتجنب ارتكاب اي مخالفة لدستور منظمة الصحة العالمية الذي وافق عليه جميع الأعضاء قبل انضمامهم للمنظمة مما يشكل التزاما عليهم باعطاء كل “انسان” حقه في الرفاهية الصحية التي يعتبر لقاح كورونا على رأسها في هذه الأزمة الصحية التي تفتك بالعالم دون تمييز باللون او الجنس أو العرق أو المستوى الاجتماعي و الاقتصادي .

طارق الديري – باحث ماجستير قانون في جامعة غرب انجلترا في بريطانيا.