مع صدور القرار بفتح ابواب المحاكم لاستقبال الشكاوى والدعاوى ومباشره النظر في الحقوق المدعى بها، لا بد من بيان بعض النقاط المهمة في مسألة تحصيل الحقوق بالنسبة للمواطن، خاصة أن الكثير من هذه الحقوق ستكون مطالبات مستعجلة تم استحقاقها خلال فتره الحجر الحالية في ظل جائحة كورونا.

ولعل السؤال الاهم الذي يتبادر لذهن المواطن هو عن الزمن الذي تستغرقه عملية تحصيل حقوقه عن طريق القضاء ، خاصةً مع الاعتقاد الشائع بين الناس أن الدعاوى مهما كان نوعها وقيمتها تأخذ سنوات طوال من اجل البت فيها ..! والحقيقة ان هذا غير صحيح !

بل هناك قواعد اجرائية وشكلية يتم اتباعها من اجل ضمان عدم اهدار العدالة او تعطيلها او اطالة امدها  ، ومن محاسن التدبير والتوقيت ان حزمة من  الإجراءات الخاصة لتسوية النزاعات الصغيرة قد صدرت قبيل بداية العام الحالي، و يتوقع انه ستكون لها حصة كبيرة في التطبيقات القادمة أمام المحاكم لتسريع أمد التقاضي ، فهل يمكن للمواطن تحصيل حقه  قضائياً خلال شهر أو أقل ؟

 

بدايةً وللإجابة على هذا السؤال لا بد من بيان أن هناك نوعان من الدعاوى الحقوقية  وهما : الدعاوى العادية والدعاوى التنفيذية؛

أما بخصوص الدعاوى العادية، فمن حيث الأصل فهي تقسم الى حقوقيه وجزائية، ما يهمنا هنا هو الدعوى الحقوقية ” المتعلقة بأداء حق خاص ” وعلى وجه التحديد  الصلحية منها؛  والتي قسمت الى ثلاثة أقسام حسب قيمتها كالتالي :

اولا : المنازعات الصغيرة، وهي المنازعات التي قيمتها أقل من ١٠٠٠ دينار

ثانيا : المنازعات ذات المسار السريع ، وهي التي تترواح قيمتها بين ١٠٠٠ دينار و٣٠٠٠ دينار

ثالثا : المنازعات ذات المسار العادي  ، وهي التي  لا تقل عن  ٣٠٠١ دينار  ولا تتجاوز ١٠٠٠٠ دينار وهو المسار المتّبع في المحاكم عادة  ، وما وبعد ذلك يكون الاختصاص القيَمي لمحكمه البداية.

وبحسب الإجراءات الجديدة فإن المنازعات الصغيرة أقصى مدة فيها لصدور الحكم يكون شهرًا واحدًا فقط؛ فإما تكون محاكمة يوم واحد في حال الصلح بين الخصوم، أو محاكمة الـ٣ أيام في حال الاتفاق على الإحالة للوساطة، ومحاكمة الأسبوع الواحد في حال لم يتم الصلح بين المتخاصمين وتم رفض الوساطة، وأخيرا تكون محاكمة الشهر الواحد في حال وجود بينات لدى الغير وتتطلب الجمع أو وجود خبرة، أو بينة شخصية (شهود)، وتكون جلساتها متتالية بحيث لا يجوز تأجيل الجلسة لأكثر من ٣ أيام عمل.

كما أنه لا يشترط توكيل محامِ في هذه الدعاوى للحضور أمام المحكمة كون قيمتها أقل من ١٠٠٠ دينار[1]

أما بخصوص دعاوى المسار السريع فإنها تأخذ صفة الاستعجال بقرار يصدر عن رئيس المحكمة، وبذلك تقل مدة المحاكمة ، وتكون أقصى مدة لصدور الحكم فيها هي ٣ أشهر، بحيث يضع القاضي في الجلسة الاولى جدول الزمني يتضمن جميع الجلسات حتى إصدار الحكم، ولا تتجاوز المدة بين كل جلسة وما بعدها ٣ أيام عمل ويعتبر الأطراف متفهمين موعد الجلسات المثبتة والواردة فيه.

بعد ذلك يمكن استئناف الحكم الصادر، وتنظر فيه محكمه البداية بصفتها الاستئنافية تدقيقا وليس مرافعةً ؛ أي انه لا يستوجب فيها حضور الأطراف وإنما يصدر الحكم مباشرة بعد تداوله من قبل المحكمة ، ويكون حكمها نهائياً  إذ لا يمكن تمييز الأحكام الصادرة في الدعاوى التي تكون قيمتها ١٠٠٠٠ دينار فأقل [2] ، ليكون الحكم بعدها حكماً قطعياً قابلا للتنفيذ .

 

اما النوع الثاني من الدعاوى وهو الدعوى التنفيذية فهي عادةً ما تلي الدعوى العادية، حيث يكون القرار الصادر في الدعوى العادية سند التنفيذي لمباشره الدعوى التنفيذية وتنفيذ الحكم.

كما وهنالك سندات وأوراق أخرى أعطاها القانون مزية التنفيذ المباشر، بحيث يكون الحق الثابت فيها قابل للتنفيذ مباشرة دون الحاجة لرفع دعوى عادية وانتظار صدور الحكم فيها، وقد نص عليها القانون حصرًا؛ هي السندات الرسمية والعادية والأوراق التجارية [3]، وتشمل الأوراق التجارية: سند السحب أو البوليصة، الكمبيالات، الشيكات، والسند لحامله [4]، بالإضافة لعقود الايجار[5] .

بالتالي فإن  مجرد توفر احدى هذه السندات التنفيذية يكون كافياً لتقديمها لدائرة التنفيذ  ليتم تنفيذها وتحصيل الحقوق الثابتة فيها، وإجراءات التنفيذ عادة ما تكون سريعة ولا تتجاوز ٤٢ يوم على الأكثر من التبليغ وحتى التنفيذ، وما قد يقدّم بينهما من طلبات، واعتراض واستئناف.

في الدعوى التنفيذية للدائن طلب الحجز على أموال المدين المنقولة وغير المنقولة القابلة للحجز[6]، وعندها؛ للمدين إما سداد الدين، أو عرض تسوية تتناسب ومقدرته المالية، بشرط أن تكون الدفعة الأولى لا تقل عن ٢٥٪ من قيمه الدين، وللدائن عدم الموافقة عليها ، ولرئيس المحكمة الفصل في هذا الموضوع بعد الاطلاع على اقتدار المدين وسماع بينات الدائن على ذلك ثم إصدار قرار بالتسوية المناسبة، وفي حال لم يقم المدين بالالتزام ولم يسدد الدين أو لم يكن لديه أموال كافيه وقابله للحجز عليها فإن للدائن حق طلب حبس المدين لمدة لا تتجاوز ٩٠ يوم في السنة عن الدين الواحد [7]، وهذا الحبس لا يسقط الدين ويجدد بطلب من الدائن في حال عدم الوفاء [8] .

وبذلك فإن أغلب الدعاوى الصلحية – ومن بينها العمالية كاختصاص نوعي – ستكون إجراءاتها سريعة ولا مجال للمماطلة فيها، ابتداءً من رفع الدعوى العادية وانتهاءً بالتنفيذ من خلال دعوى تنفيذية

وإجابة على سؤال المقال  فإننا نجيب بنعم؛ يمكن للفرد تحصيل حقه خلال شهر، وذلك إذا ما كان ثابت بسند تنفيذي قابل لمباشرة الدعوى التنفيذية دون رفع دعوى عادية، والحالة الأخرى اذا كانت الدعاوى العادية (منازعات صغيرة) ذات مسار محاكمة الأسبوع، أما مسار اليوم الواحد ومسار ال٣ أيام فنكون أمام صلح أو وساطة والتي لا يلزمها رفع دعوى تنفيذية أصلا.

و أقصى مدة قد يتطلبها ذلك في الدعاوى التي تقل أو تساوي ٣٠٠٠ دينار هي ٤ أشهر تقريبا (دعاوى المسار السريع) من رفع الدعوى العادية وحتى التنفيذ.

 

دمتم بصحة وعافية، وكل عام وأنتم بخير.

 


[1]  المادة 7 الفقرة ب من قانون محاكم الصلح

[2]  المادة ١٩١ قانون أصول المحاكمات المدنية

[3]  المادة ٦ من قانون التنفيذ

[4]  المادة 123 من القانون التجاري

[5]  المادة 18 من قانون المالكين والمستأجرين.

[6]  المادة 16 من قانون التنفيذ

[7] المادة 22 من قانون التنفيذ

[8]  المادة 25 من قانون التنفيذ